الأحد، 19 يونيو 2011

ذكـــــــر الله شــــــــفاء للقـــــلوب‎



لقد منّ الله سبحانه وتعالى على الأُمّة الإسلامية بأن لم يجعل لها وقتاً محدّداً ومنحصراً للإتصال به، كما ولم يحصر ذلك في مكان معيّن، وإنّما هو حبيب وجليس مَن ذكره، وهو مجيب مَن دعاه وذكره، فقد ورد في الحديث أنّ جبرائيل (ع) قال للنبي (ص): "إنّ الله تعالى يقول: أعطيت أُمّتك ما لم أُعطه أُمّة من الأُمم، فقال (ص): وما ذاك يا جبرائيل؟ قال (ع): قوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ...) (البقرة/ 152)، ولم يقل هذه لأحد من الأُمم".

ومن المعلوم أنّ طبيعة الإنسان تميل إلى الإجتماع، وتحبّ المؤانسة والصحبة، وتهرب من الوحدة والفراغ، لذلك نجد الإنسان دائماً يسعى ليكون عنده صديق أو رفيق أو جليس. ويسعد الإنسان كلّما كثر جلساؤه ورفقاؤه، ولكن عليه أن ينتبه من أنّ الجلساء على نحوين، منهم مَن هو ذاكر لله سبحانه، ومنهم مَن هو غافل عن ذكره.

- أهمية ذكر الله:
إنّ قيمة ذكر الله وأهميّته كبيرة جدّاً. والله تبارك وتعالى قال في محكم كتابه العزيز: (وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ) (العنكبوت/ 45)،
قال رسول الله (ص): "لا تختارن على ذكر الله شيئاً فإنّه يقول: (وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ).
لذا فإنّ ذكر الله تعالى بلا شكّ خير عمل نقوم به في هذه الدنيا الفانية، وهو أفضل ما ندّخره لساعة السؤال، وأثقل ما نجده في الميزان يوم الحساب.
أمّا حقيقة الذكر فقد عبّر عنها رسول الله (ص) بقوله: "مَن أطاع الله عزّوجلّ فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن".

- ذكر الله بُكرةً وأصيلا:


وكفيل هذا الذكر بأن يمحو السيِّئات التي يقترفها الإنسان بين مطلع الشمس وغروبها، وذلك ما لو ذكر الله في الصباح، وذكره أيضاً في المساء.


قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الأحزاب، 41-42)، وقال: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الإنسان/ 25).
بل ذكرُ الله حسنٌ على كلِّ حال، حال القيام والقعود، حال الحزن والسرور، حال الضيق والفرج.. قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ...) (آل عمران/ 190-191).

- أقم الصلاة لذكري:


إنّ الذاك
ر بمنزلة المصلّي والقائم بين يدي الله تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (طه/ 14).
يقول الإمام الباقر (ع): "لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله، قائماً كان أو جالساً أو مضطجعاً، إنّ الله تعالى يقول: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا...).

- خصوصية ذكر الله في بعض المواقف:


هناك بعض المواقف والأوضاع قد خصّها الله تعالى بذكره والإستعانة به، منها:


أ‌) عند لقاء العدو وقتاله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال/ 45).


ب‌) عند دخول الأسواق والتبضّع، ورد عن رسول الله (ص) قال: "من ذكر الله في السوق مخلصاً عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه كتب الله له ألف حسنة ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر".


ت‌) عند الهمّ والحكم والقسمة، قال رسول الله(ص):

 "اذكر الله عند همِّك إذا هممت، وعند لسانك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت".

ث‌)

 عند الغضب، قال رسول الله (ص): "أوحى الله إلى نبيّ من أنبيائه: ابن آدم، اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي، فلا أمحقك فيمن أمحق".


ج‌) في الخلوات وعند اللّذات، قال الإمام الباقر (ع): "في التوراة مكتوب: ... يا موسى... اذكرني في خلواتك وعند سرور لذّاتك أذكرك عند غفلاتك".

- صفات أهل الذكر:


1- ذكرُ الله سبحانه من سجيّة المتّقين المؤمنين وشيمهم، قال الإمام علي (ع): "ذكرُ الله شيمة المتّقين".


2- المؤمن هو في ذكر دائم وتفكير مستمرّ، قال الإمام علي (ع): "المؤمن دائم الذكر، كثير الفكر، على النعماء شاكر، وفي البلاء صابر".



بل لا تلهي المؤمنين عن ذكر الله تعالى ملذّات الدنيا وهمومها، قال تعالى: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ) (النور/ 37).
3- الذاكرون لا يملّون من ذكره، قال الإمام الباقر (ع) – في صفة أبناء الآخرة -: "لا يملّون من ذكر الله".


وقد يعيش المؤمن حالة الصمت الطويل إلاّ من ذكر الله تعالى، قال الإمام علي (ع): "طوبى لمن صمت إلاّ بذكر الله".


4- حبُّ مجالس الذكر والتزوّد منها، كمجالس ذكر نعم الله تعالى وعظمة إعجازه في الخلق، فضلاً عن حضور مجالس ذكر محمّد وآل محمّد (ع) الذين هم الوسيلة إلى ذكر الله سبحانه وطاعته، قال رسول الله (ص): "ارتعوا في رياض الجنّة.


قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنّة؟
قال: مجالس الذكر".

- مقام الذاكرين عند الله:


1- إنّ الذاكر لله تعالى يكون أخصّ عباد الله المقرّبين إليه، قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم): - وقد قال رجل أمامه: أُحبُّ أن أكون أخصّ الناس إلى الله تعالى -:


قال (صلوات الله وسلامه عليه): أكثرْ ذكر الله تكن أخصَّ العباد إلى الله تعالى".


2- إنّ الذاكر لله تعالى هو من المكرّمين، بل هم أكرم خلق الله جلّ جلاله،
3- ومن مقامات الذاكرين لله سبحانه نيلهم وسام شرف ذكر الله جبّار السماوات والأرضين، قال رضي الله عنه أيضا – أيضاً -: "يا مَن ذكره شرف للذاكرين، ويا مَن شكره فوز للشاكرين، ويا مَن طاعته نجاة للمطيعين، صلِّ على محمد وسلم، وأشغِل قلوبنا بذكرك عن كلِّ ذِكر".


4- يُعتبر الذاكر جليس الله، عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه):

 "ذاكر الله سبحانَهُ مُجالِسُه"

 وورد عن رسول الله (صلى الله عليه و سلم) قوله: "قال موسى: يا ربّ، أقريب أنت فأنا جيك أم بعيد فأُناديك؟ فإنّي أُحسّ صوتك ولا أراك، فأين أنت؟
فقال الله: أنا خلفك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك.
يا موسى، أنا جليس عبدي حين يذكرني، وأنا معه إذا دعاني".
وهو القائل عزّوجلّ: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة/ 152).

 

- آثار ذكر الله على المؤمن:


1- قلوب الذاكرين هي دوماً مطمئنة، لأنّها تحيا بذكر الله تبارك وتعالى ولا تخلو منه، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28).
2- يعيش الذاكرون لذّة الذكر الإلهيّ وعشقه ومحبّته.. فهنيئاً لمن ينال هذا الأثر العظيم، قال  علي (رضي الله عنه): "الذكر لذّة المحبّين"، وعنه أيضا: "ذكر الله مسرّة كلِّ متّقٍ ولذّة كلِّ موقن". وعنه أيضا: "الذكر مفتاح الأنس".
3- إنّ في ذكر الله تعالى صلاح الروح والقلب وشفاءهما من مرض الذنوب والآثام، فضلاً عن تحسين السلوك والأفعال، قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم): "ذكر الله شفاء القلوب".


قال  علي (رضي الله عنه): "مداومة الذكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح". بل من الآثار المباركة لذكر الله تعالى حياة القلوب ونورها، و عنه أيضا

"في الذكر حياة القلوب"، وعنه (ع):

"عليك بذكر الله، فإنّه نور القلوب".
4- إنّ في ذكر الله تبارك وتعالى هداية العقول وتبصرتها نحو طريق الحقّ، قال أيضا

"الذكر جلاء البصائر ونور السرائر".
5- وبذكر الله سبحانه تُستنزل الرحمة الإلهية وتُفتح أبواب البركات،

"الذكر يؤنس اللبّ ويُنير القلب ويستنزل الرحمة".


6- وذكر الله مَطردة للشيطان :

 ذكر الله مَطردة الشيطان"و.


7- الذكر أمانٌ من النفاق والخداع، قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا) (النساء/ 142).
8- الذاكر لله تعالى لا يموت عطشانَ، فعن رسول الله (ص) قال: "كلُّ أحد يموت عطشانَ إلا ذاكر الله".
إذاً هي كلمات صغيرة تُردّدها أيّها الإنسان العزيز، وتعيش معها بقلبك ووجدانك، فتنتقل من عالمٍ البعد والوحشة إلى عالم القرب والمؤانسة، هو الذي وعد وهو أصدق من يوفي، هو الذي قال اذكروني، وهو الذي وعد بأن يذكرنا، وعندما يطلب الله سبحانه من عباده أن يذكروه، فهو يُحبّ أن يسمع صوتنا، ويرى ضمائرنا مقبلة إليه، فهو يُحبّ هذه المجالس، وهو يُحبّ أصحابها، هي مجالس الذكر لا الغفلة، ومجالس العلم لا الجهل، ومجالس القرب لا البعد، هي مجالس الحديث مع الله، فعن النبي (صلى الله عليه و سلم) أنّه قال: "يا ربّ وددت أنّي أعلم من تُحبّ من عبادك فأُحبّه، فقال: إذا رأيت عبدي يُكثر ذكري، فأنا له في ذلك، وأنا أُحبّه، وإذا رأيت عبدي لا يذكرني، فأنا حجبته، وأنا أُبغضه".

- ما يؤدِّي إلى الغفلة عن ذكر الله تعالى:
1- أن يعيش الإنسان طول الأمل ويتوهّم أنّه سيبقى إلى الأبد، الأمر الذي يجعله غارقاً في بحر الغفلة عن ذكر الله تعالى، قال  علي (رضي الله عنه:

"إعلموا أنّ الأمل يُسهي العقل، ويُنسي الذكر. فأكذبوا الأمل، فإنّه غرور، وصاحبه مغرور".



2- إرتكاب المحرّمات والذنوب والآثام يوقع الإنسان تحت سيطرة الشيطان ويُبعده عن رضا الله تعالى، قال المولى عزّوجلّ: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة/ 91).
3- الإنشغال بملذّات الدنيا وشهواتها، وهذا ما حذّر منه المولى تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون/ 9).

- تبعات الغفلة:


إنّ الغفلة عن ذكر الله تعالى هي خسارة عظمى للإنسان في الدنيا والآخرة، قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم): "ما من ساعة تمرُّ بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا حسر عليها يوم القيامة".

وفي الخبر: "إنّ أهل الجنّة لا يتحسّرون على شيء فاتهم من الدنيا، كتحسُّرهم على ساعة مرّت من غير ذكر الله".
كما إنّه من تبعات الغفلة وآثارها السلبيّة على الإنسان الإبتلاء بقسوة القلب، قال: "أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى (عليه السلام): "لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكري على كلِّ حال، فإنّ كثرة المال تُنسي الذنوب، وترك ذكري يُقسّي القلوب".
والويل ثمّ الويل لمن اشتغل بذكر الله وفضائلهم عليه ونسي ذكر الله وفضله، قال  علي (رضي الله عنه): "مَن اشتغل بذكر الناس قطعه الله سبحانه عن ذكره".

أمّا النتيجة المترتّبة على الإعراض عن ذكر الله تعالى، فهي كما جاء في الكتاب العزيز: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طه/ 124-126).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق